في مجتمعنا العربي، يُنظر عادة إلى النجاح على أنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتعليم الأكاديمي، وخاصةً التخرج من إحدى الكليات الكبرى مثل الطب أو الهندسة. لكن ماذا إذا قررت أن تسلك مسارًا مختلفًا، بعيدًا عن التوقعات الاجتماعية، وتخوض تجربة جديدة بعيدًا عن مقاعد الجامعات؟ هذا هو ما فعله كريم إبراهيم، الذي قرر أن يغامر ويتخذ قرارًا قد يراه البعض غريبًا، ولكنه كان مؤمنًا أنه الأفضل بالنسبة له.
بداية القصة: بين التعليم والمحتوى الرقمي
يعود قرار كريم إلى سنوات مراهقته، وتحديدًا سنة 2018، عندما اكتشف عالم الإنترنت. كان يعيش في قرية صغيرة في مصر، حيث كان المجتمع المحلي محدود المعرفة بالمقارنة مع ما تقدمه شبكة الإنترنت. وبدأ كريم في متابعة العديد من صناع المحتوى على الإنترنت، وتعلم الكثير من المهارات عبر الإنترنت، ليكتشف أن هناك العديد من الفرص التي يمكنه العمل بها من دون الحاجة إلى شهادة أكاديمية.
رغم أنه كان في سن صغيرة، كان كريم يعلم أن هناك مسارات أخرى للنجاح بعيدًا عن التعليم الأكاديمي التقليدي. كان حلمه هو أن يتعلم عبر الإنترنت ويطور مهاراته في مجالات مثل صناعة المحتوى والتسويق الرقمي، وهو ما قرر أن يركز عليه بدلاً من متابعة التعليم التقليدي في المدرسة.
القرار الصعب: بين الشهادة والسفر
مع اقتراب فترة الثانوية العامة، كانت الضغوطات تتزايد عليه من الأهل والأصدقاء حول أهمية الحصول على شهادة جامعية، لكن كريم كان مصممًا على عدم السير في المسار التقليدي. كانت المشكلة الأكبر بالنسبة له هي كيفية إقناع أهله بمشروعية قراره بالسفر للعمل في دولة أخرى دون شهادة جامعية.
إلا أنه لم يكتفِ بكلماتٍ فقط لإقناعهم، بل بدأ في كسب المال من الإنترنت من خلال العمل على منصات العمل الحر. قام بترجمة النصوص وتعديل الفيديوهات، وهو ما أتاح له أن يظهر لهم أن بإمكانه كسب رزقه بنفسه، دون الحاجة إلى أن يكون مرتبطًا بشهادة أكاديمية.
أول تجربة عمل حقيقية: المال من الإنترنت
بعد فترة من العمل الحر، حصل كريم على أول فرصة حقيقية للعمل كمصمم محتوى مع شركة "كيوشي تكنولجي". كان يتقاضى راتبًا جيدًا، وهو ما جعل أهله يقتنعون أخيرًا بقراره. وفي ذلك الوقت، كان الراتب الذي يتقاضاه كريم أعلى من رواتب العديد من الأطباء والمهندسين، وهو ما جعله يحقق نقطة فارقة في حياته.
ولكن رغم النجاح في العمل عبر الإنترنت، واجه كريم تساؤلات كبيرة حول قرار عدم التوجه إلى الجامعة، خاصة بعد حصوله على درجات جيدة في الثانوية العامة. وكان يواجه حيرة شديدة بين السفر للعمل في الخارج أو إكمال دراسته الأكاديمية في مصر. لكن في النهاية، قرر أن يسلك الطريق الذي شعر أنه الأنسب له، وغيّر رغباته في التقديم إلى الجامعات وحجز تذكرة السفر.
هل وجد كريم عملاً مناسبًا في الخارج؟
عندما وصل كريم إلى دبي، بدأ في العمل في مجال المحاسبة، الذي قد يُسمى أحيانًا "داتا إنتري" إلى جانب التسويق. ورغم أن زملاءه في العمل كانوا يحملون درجات علمية أعلى منه، إلا أن كريم لم يشعر بأي فرق، حيث كان الجميع يعمل بنفس الطريقة ويؤدي مهامهم بشكل جيد. وفي النهاية، اكتشف أن المهارات العملية والتجارب العملية كانت هي الأهم في سوق العمل، وليس الشهادات الأكاديمية فقط.
الرسالة التي يوجهها كريم لمتابعيه
من خلال تجربته الشخصية، يرغب كريم إبراهيم في توجيه رسالة هامة: النجاح ليس مرتبطًا بالضرورة بالشهادة الجامعية، بل بالقدرة على تعلم المهارات وتطبيقها في الحياة العملية. هو يدعو كل شخص إلى احترام قرارات الآخرين سواء قرروا متابعة التعليم الأكاديمي أو التوجه إلى مسارات أخرى. في النهاية، النجاح يأتي من القدرة على التكيف مع الحياة العملية وامتلاك المهارات التي يحتاجها السوق.
إذا كنت لا تزال تتساءل عما إذا كان من الممكن النجاح بدون شهادة، فإن تجربة كريم تثبت أن القرار يعود إلى الشخص نفسه، وإلى مدى استعداده لتعلم مهارات جديدة والاعتماد على نفسه.